فعادت كوثر تجلس بين المدعوات من جيرانها فكان رأسها منشغلًا بالتفكير فيما قاله لها زوج ابنتها بينما كان يغادر الحفل مع عروسته و كانت كلماته لا تزال ترن في أذنيها تداعب أنوثتها فدخلت حمَّام القاعة التي يقام بها العرس و أخذت تنظر إلى عينيها الزرقاوتين في مرآة كبيرة و كانت قد نسيت لونهما في خضم حياتها وانشغالها بمشكلاتها مع زوجها المرحوم فأدركت للمرة الأولى أن لديها عينان جميلتان لونهما أزرق يزيدهما غموضًا و سِحرًا فأخذت تتحسس خديها بأناملها فاكتشفت أنها لم تنظر في مرآة طوال حياتها , فكيف تنظر في مرآة و كانت تعيش مع رجل حرَّم عليها الخروج و التزين كبقية النساء حتى من يكبرونها سنًا , أما هي فكان وجهها نضرًا جماله طبيعي بدون مساحيق وبلا ألوان و هنا تذكرت أنها لم تتجاوز الأربعون عامًا بعد . نظرت إلى جسدها و كانت ترتدي فستان اشترته خصيصًا لعرس ابنتها لونه أسود يعكس ما يقع عليه من أضواء فيبهر أبصار المتطلعين إليها فضلًا عن بشرتها البيضاء كالحليب الملساء كبشرة طفل رضيع فقامت على الفور بخلع طرحتها السوداء و إذ بها تجد شعرها الأصفر كخيوط حرير ذهبية ينساب على كتفيها تسقط عليه الأضواء فتجعله كأمواج تتلاحق , فقررت وضع طرحتها في حقيبة يدها ثم خرجت للجلوس مع جيرانها . —————————- لم تكن سَعيدة تكف عن الصراخ عند رؤية الأمواج تأتي عالية مسرعة نحوها فكانت تلقي بنفسها في أحضان زوجها تتعلق بأكتافه كطفلة تختبئ في أحضان والدها وكان زوجها يحملها على ذراعيه ثم يقوم بإلقائها في البحر فتنهض لتتعلق به من جديد كما كانت تحاول هي أيضًا إغراقه ولكنه كان يتغلب عليها فيقوم بحملها من جديد ليلقي بها في الأمواج , أما كوثر فكانت تراقبهما من بعيد و كانت تتمنى لو كانت وجدت في صِباها رجلًا مثل حازم بك يفعل معها ما يفعله مع ابنتها فيُشعِرها بأنوثتها و جاذبيتها وكان زوجها المعلم طه قد قتل فيها الإحساس بالأنوثة بغيرته المجنونة عليها فجعلها جامدة بالرغم من جمالها الصارخ . —————————- انقلبت حياة سَعيدة رأسًا على عقب وكانت قد انصهرت في المجتمع الأمريكي بعاداته و تقاليده التي تختلف كل الاختلاف عن العادات والتقاليد التي نشأت و تربت فيها, فبعد أن كانت سَعيدة ابنة القرية الصغيرة الواقعة على أحد ضفتي النيل في محافظة القليوبية أصبحت ساندي المواطنة الأمريكية التي تعيش في أفخم المدن الأمريكية كما أصبحت تخالط الصفوة من مشاهير الفنانين الأمريكيين , فباتت تعرف السهرات الصاخبة بل أنها اصبحت عضو أساسي في هذه السهرات و ما يتخللها من رقص و شرب خمور فكان لزامًا عليها مجاراة رواد هذه السهرات كما أصبحت مثل بقية النساء في هذه الفئة من المجتمع الأمريكي تلبس الثياب المثيرة التي لا تستر إلا القليل من جسدها فكانت أكثر جاذبية و إثارة من الأمريكيات أنفسهن لجمالها الغير مصطنع الطبيعي والذي لم يكن الفضل فيه لمشرط طبيب أو لعمليات تجميل كبقية الفنانات .

للحصول علي النسخه الورقية داخل مصر

للحصول علي النسخه الإلكترونية


جمال فهمي

جمال فهمي حاصل على ليسانس الحقوق عام 84 كاتب و روائي مصري له العديد من المؤلفات -الجميلة و الجريء والجحش -مشوار عمري -النصابة -و لا تنهرهما -الساعة تدق الثامنة -إكذوبة الحب الأول -في بيتنا نصاب

class=wp-image-6648

No responses yet

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *