. رغم تحذير نابليون بونابرت من تنامي قوة الصين، في مقولته الشهيرة دعوا الصين نائمة، إلا أن لعبة العولمة الأمريكية قد تكون هي التي استطاعت إيقاظ هذا العملاق النائم، رغم ما يشكله ذلك من خطورة عليهم، وانقلب السحر على الساحر، ومن قام بتحضير العفريت مازال غير قادر على صرفه، والنتيجة هي الصعود المتنامي للصين في مختلف النواحي الاقتصادية والعلمية والعسكرية والسياسية على مستوى العالم، ولا شيء في الصين يأتي وليد الصدفة، فكل شيء مقصود ومخطط ومستخدم وفق سياق موضوع له، فحتى الأداب والفنون المختلفة على أرض الصين لها خصوصيتها، وتأتي في سياق مجتمعي ممنهج، وتستخدم كقوى ناعمة لها دورها غير المباشر في بناء المجتمع وتحديد ملامحه وصياغة عقله الجمعي وفكره الذي يُعتبر من أهم ملامح المجتمع الصيني؛ بل وعنصرًا أساسيًا في تشكيل هوية المواطن الصيني وترسيخ العادات والتقاليد والقيم التي يجب أن يتمسك بها، والنتيجة أن استطاعت الصين أن تحقق ما لم تستطع دولة أخرى تحقيقه في العصر الحالي، فحققت نهضة غير مسبوقة في فترة قليلة، ولعل ما ساعدها على هذا طبيعة المجتمع الصيني، والطبيعة الخاصة والمتفردة للمواطن الصيني، الذي يحب بلاده ويقدمها على كل شيء، حتى على مصالحه الشخصية. ——————————- انتهجت الصين نموذجًا تنمويًا خاصًا بها، واستطاعت أن تتفرد بميزة مهمة في هذا النموذج عن غيرها من الدول الناهضة؛ ألا وهي ما يمكن أن تُسمى إدارة التنمية، واعتماد استراتيجيات وخطط للتنمية المحلية، تعتمد فيها على كل المؤسسات في المجتمع لترسيخها، تهتم بكل مفردات عمليات التنمية ، بداية من صنع القرار، فالقرار في الصين ليس وليد الصدفة أو الهوى لشخص أو فئة أو حتى الحزب الذي يتمتع بالأغلبية ويتولى الحكم؛ ولكن عملية صنع القرار عملية مسستمة لها مدخلات يشارك فيها الآلاف من مؤسسات الفكر والرأي، والوكالات الحكومية، والجامعات، والعلماء البارزين والمحترفين، بما في ذلك مناقشات ساخنة نادرة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي , ويتلخص مضمون نجاح النهضة والتنمية الصينية في القدرة البارعة على الاستمرار في تحقيق تفوق دائم والحفاظ على استمرارية تلك النهضة، فنجاح النموذج الصيني يرتكز على عمل كلي في كل مجالات الحياة كما أن الصين تحسم جميع مواقفها في اتجاه يخدم مصالحها دون أي اعتبارات أخرى، فالصين أمام مصالحها الشخصية لا تكترث الصين بالمواقف العالمية والدولية ولا أي اعتبارات أخرى!! وفي أزمة روسيا الأخيرة مع أوكرانيا خيير دليل على هذا ، جيث ظلت الصين تراقب الموقف في بداية الأمر، لدراسة التداعيات المحتملة للأزمة على بكين، في حال تفاقمها، وأعلنت بكين بشكل واضح عن تبنيها نفس الموقف الروسي الرافض لتمدد حلف الناتو، وأعلنت عن ذلك في صورة رسمية ببيان مشترك للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ونظيره الصيني شي جين بينغ أثناء لقائهما على هامش افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. وبتفاقم الأمر بالحرب الروسية التي تمكنت الصين من جني عدة مكاسب من خلالها، في ثلاثة اتجهات، الاتجاه الأول ارتبط بما يُمكن أن تجنيه بكين من تخفيف حدة الضغوطات التي تواجهها من الجانب الأميركي؛ ذلك في ضوء توجه البوصلة إلى التوتر بين موسكو والغرب باعتباره الملف الأهم في الوقت الراهن. أما الاتجاه الثاني والذي حذر منه مراقبون، هو اعتبار أزمة أوكرانيا كمحطة استكشافية للجانب الصيني؛ لاختبار ردات فعل واشنطن والغرب حال غزو روسيا لأوكرانيا، بما يوفر للصين صورة أوضح بالنسبة لخياراتها المستقبلية في ملف تايوان.وهذا ما أدركته أمريكا واتضح في تحذيرات السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، عبر شبكة فوكس نيوز، بقولها إن الشيء الوحيد الذي يجعل القضية الأوكرانية الروسية مهمة للغاية هو أن الصين تراقب ذلك؛ لأن هذه القضية ستحدد ما إذا كانت بكين تعتقد بأنها تستطيع المضي قدماً في ضم تايوان لذلك فإن كل هذه الأمور تترابط معاً. أما الاتجاه الثالث يتمثل في أن تلك الأزمة تخدم الصين على المستوى الاستراتيجي، لجهة أن التطورات الجيوسياسية والاستراتيجية المحتملة بالنسبة لأزمة أوكرانيا، إنما تسهم بشكل أو بآخر في تشكل النظام الدولي الجديد، وبما يخدم مكانة الصين ودورها. فالصين في الأزمة الأكرانية مع روسيا كعادتها ليست وفية إلا لمصالحها أيًا كانت ومع من —————————- إن القاعدة الأولى في نجاح الصين – من وجهة نظرى- هي إصلاح وتنظيم وتأسيس المجتمع من الداخل، ليكون قوة داعمة بدلاً من أن يكون أحد المعرقلات والمعوقات، ويكون كذلك أول جبهة مواجهة لأي خطر أو مهددات خارجية، ثم الانطلاق إلى موقف ثابت وحازم في مواجهة القوى الخارجية، أما القاعدة الثانية فهي سياسة خارجية واضحة تقوم على احترام الآخر وعدم التدخل في شئونه وإجباره على الالتزام بالمثل، بينما تتمثل القاعدة الثالثة في الاستمرار في التقدم وعدم التوقف عن النهضة والتنمية وهو ما يعرف بإدارة التنمية، ولعل هذا ما دعم الصين في بناء نهضتها الاقتصادية المتفردة ، فمنذ أن بدأت الصين في تطبيق سياسة الانفتاح والإصلاح الاقتصادي عام 1978، استمر اقتصادها في تحقيق معدلات نمو جيدة تقترب من نسبة 10% سنوياً، كما يعلن في البيانات الرسمية ، وإن كانت بيانات غير رسمية تؤكد أن معدل النمو الفعلي أعلى من ذلك بكثير، واستطاع الاقتصاد الصيني أن يحتل مرتبة رابع أضخم اقتصاد في العالم بلنسبة للناتج القومي الإجمالي، وثاني أضخم اقتصاد في القوة الشرائية، و بمعيار الناتج القومي الإجمالي فهناك من الاقتصاديين من يتوقعون أن الصين بمعدل نموها الحالي قد تسبق الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر اقتصاد في العالم محسوباً بالناتج القومي الإجمالي بحلول عام 2040

للحصول علي النسخه الورقية داخل مصر

للحصول علي النسخه الإلكترونية


د عيده محمد احمد

د/ عيدة محمد أحمد إبراهيم كاتبة وشاعرة وباحثة تربوية بمجال التخطيط واقتصاديات التعليم ، مهتمة بالمشاريع التنموية في التجارب الناجحة بدول شرق آسيا(الصين – تايوان – الفلبين – اليابان -فيتنام)، مدرب معتمد من جامعة عين شمس والجامعة العمالية ومعهد التثقيف العمالي . حاصلة على ليسانس آداب وتربية لغة عربية جامعة عين شمس دبلوم مهنية في التربية قسم المناهج وطرق تدريس لغة عربية والإدارة جامعة عين شمس دبلوم خاص في التربية قسم أصول التربية كلية التربية جامعة عين شمس ماجستير ودكتوراة مهنية في التنمية البشرية جامعة القاهرة ماجستير أكاديمي في التربية قسم أصول التربية – كليةالتربية -جامعة عين شمس-، دكتوراه الفلسفة في التربية – كلية التربية جامعة عين شمس الأعمال السابقة – ديون ا مرأة بدائية (شعر) هيئة الكتاب – ديوان كلمات بلقيس الأخيرة (شعر) دار روائع للنشر – كتاب التجارة الإلكترونية مجلس التجارة الأفروآسيوي – كتاب نحو جامعة مواجهة للمخاطر المركز العربي الديمقرا طي برلين – قصائد بمنشورات المجلس الأعلى للثقافة ضمن الأعمال الفائزة بمسابقة الشعر. مقالات أكاديمية بجرائد ومجلات مصرية ( صوت العروبة –الوفد- أخبار الأدب- الشعر) – مقالات ودراسات نقدية بمدونات عالمية

class=wp-image-6648

No responses yet

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *